الهجرة النبوية الشريفة خلال دراسة سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً تجاوز الخطوة الأهم في تاريخه الشريف على وجه التحديد، وتاريخ الإسلام ككل إلى قيام الساعة، فالهجرة النبوية الشريفة ليست حدثاً عادياً يمكن تجاوزه بهذه البساطة، بل هي حدث يحمل في طياته العديد من المعاني الجليلة، والقيم الراسخة التي يجب الوقوف عندها والاستفادة منها.
اتخذ الخليفة الراشديّ الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الهجرة النبويّة انطلاقة للتأريخ الهجريّ الإسلامي، ولم يكن اختياره لهذه المناسبة محض صدفة، وما أكثر الأحداث التي يمكن أن يبدأ التأريخ من عندها منذ ميلاد خير البرية -صلى الله عليه وسلم- حتى وفاته، مروراً ببعثته الشريفة، إلى واقعة الإسراء والمعراج، إلى معركة بدر، إلى فتح مكة، والعديد من الأحداث الأخرى، غير أنّ هذا الصحابي الجليل آثر وقرّر أن يتّخذ من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بداية للتأريخ.
لم تكن الهجرة النبويّة الشريفة خطوة عشوائيّة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هي أمر وإرادة الله تعالى، وكانت خطوة مدروسة، ومدفوعة بالعديد من الدوافع والأسباب التي أسهمت إلى حد كبير في حدوثها، وفيما يلي توضيح لهذه الأسباب.
أسباب الهجرة النبوية الشريفة - رفض أهل مكة دعوة الإسلام والتوحيد، ولو أنّهم رفضوا الدعوة وتوقفوا عند حدود المناظرات والمحاججات العقليّة والمنطقيّة لما كان هناك سبب يدفع المسلمين إلى الهجرة، غير أنّ أذى المكيّين قد اشتد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى أصحابه ممن أسلم معه وذلك على الرغم من معاملة الرسول والصاحبة الكرام لهم بالحسنى، ودعوته إيّاهم باللين والرفق امتثالاً لأوامر الله تعالى التي جاءت مؤكّدة على ضرورة البعد عن الغلظة في التعامل مع الآخرين.
- حاجة المسلمين والدعوة الإسلامية إلى وجود بيئة حاضنة، وقاعدة متينة تتبنى الدعوة الوليدة، وتنشرها وتوصل مبادئها إلى كافة أصقاع المعمورة، ومع أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عرض دعوته على مختلف القبائل العربية آنذاك، غير أنّه لم يلق استجابة إلا من أهل المدينة المنورة، ممّا دفعهم إلى احتضانه ودعوته الشريفة، وتبنّي قضيته العادلة، ومبادئه السامية التي جاء مبشراً بها، وكنتيجة حتميّة للهجرة النبوية الشريفة، فقد تأسّست الدولة الإسلامية مباشرة منذ أن وطأت قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشريفة أرض المدينة المباركة، وقد يكون ذلك من أعظم أنواع الخير الذي أصاب المسلمين طيلة تاريخهم.
- حاجة المسلمين إلى الحريّة لممارسة شعائرهم الدينيّة دون أيّ نوع من أنواع الضغوطات، ففي مكة لم يكن المسلمون قادرين على عبادة الله تعالى بالشكل المطلوب، نظراً للظروف الصعبة التي كانوا يعانون منها هناك، أما في المدينة المنورة فقد انقلبت الأوضاع وتبدّلت، وصار بمقدور كافة المسلمين ممارسة شعائرهم الدينيّة دون وجود أيّ اعتراض من أي شخص كان.